جيش الضرورة وحرب الضرورة(8)
الفريق شرطة حقوقي (م) د. الطيب عبد الجليل حسين محمود - المحامي واستشاري القانون.
(Eltayeb2hussein@gmail.com - Eltayeb.hussein@yahoo.com)
أي كانت الحرب، قديماً أو حديثاً، سواء الحرب كانت طرف فيها قوة مسلحة من غير فاعلي الدول، وصفاً للفاعلين غير الدولة بأنها جماعة منشقة من الجيش المملوك للدولة، أو أن الحرب طرف فيها جماعات نظامية مسلحة أخرى من غير فاعلي الدولة، ولكنها دخلت في نزاع مسلح ضد الجيش الرسمي للدولة، وسواء كانت الجماعة المسلحة مليشيا أو متمردين أو جماعات إرهابية. فإن إيقاف الحرب أو إنهاء الحرب مع المجموعة المسلحة المنظمة من غير فاعلي الدولة، له، ضروراته، وأدواته، وآلياته، وبها تكون إستراتيجيات وخطط إيقاف أو إنهاء الحرب، تخطيطاً وتنفيذاً. والضرورة من المبادئ القانونية في الفقه والقانون والشريعة الإسلامية، وهي تقرر مبدأ الضرورة تقدر بقدرها، ومبدأ الضرورات تبيح المحظورات.
ودون تفصيل وإسهاب عن طبيعة النزاعات المسلحة الداخلية داخل إقليم الدولة مع مجموعة مسلحة من غير فاعلي الدولة(السمة الغالبة لطبيعة النزاعات الحالية في العالم بعد تآكل وتفكيك دولة يوغسلافيا 1989م - 1990م، وتفكيك وإنحلال دولة الإتحاد السوفيتي 1991م، وصيرورت تلك الدول أن صارت عدة كيانات دولتية مستقلة ذات سيادة لها مكانة في المجتمع الدولي والجماعة الدولية). وتبعاً لذلك، المقرر وفقاً لقانون الحرب والحياد في القانون الدولي طبقاً لأحكام إتفاقيات جنيف الأربعة 1945م والبروتوكولين الأول والثاني الإضافيين 1977م، وبحسب المواد (1، 47) من البروتوكول الثاني الإضافي لسنة 1977م، لتعريفها اﻟﻤﻨﺎزﻋﺎت اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ غير الدولية بأنها المنازعات المسلحة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻊ داخل إﻗﻠﻴﻢ الدولة، ويكون النزاع الذي وقع طرف فيه القوات المسلحة المملوكة للدولة بينها ومع طرف آخر من غير فاعلي الدولة بوصفها قوات منشقة مسلحة عن القوات المسلحة للدولة صاحبة السيادة، أو تكون القوات المسلحة للدولة طرف في النزاع بينها ومع طرف مسلح آخر من غير فاعلي الدول بوصفها ﺟﻤﺎﻋﺎت مسلحة، سواء المجموعة المسلحة الأخرى كانوا متمردين أو مليشيا حكومية تابعة للدولة. وأن تكون القوات المسلحة فاعل من غير الدول، وﺗﺤﺖ قيادة ﻣﺴئوﻟﺔ. وﺗﻤﺎرس ﺳﻴﻄﺮة فعلية وحقيقية ﻋﻠﻰ ﺟﺰء ﻣﻦ إﻗﻠﻴم الدولة الطرف في النزاع المسلح الداخلي. وأنه ﻳﻤﻜن للجماعة المسلحة الفاعل من غير الدولة اﻟﻘﻴﺎم ﺑﻌﻤﻠﻴﺎت ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ وﻣتسقة ومنتظمة. وأن تلك الجماعة المسلحة الفاعل غير الدولة ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﻨﻔﻴﺬ اﻟﺒﺮوﺗﻮكول الإضافي لإتفاقيات جنيفا 1945م، بأن تحترم القانون الدولي الإنساني وقواعد القانون العرفي الدولي للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
ولذلك، أي جماعة مسلحة أخرى من غير فاعلي الدولة بصفتها جماعة منشقه أو مليشيا متمردة على سلطة الدولة، لإعتبارها طرف في نزاع مسلح داخلي، يجب ولا بد من توافر المعايير الآتية:
1. إن كانت الجماعة المسلحة الأخرى (المنشقة، المتمردين، المليشيا) ﻗﻮة ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻧﻈﺎﻣﻴﺔ، و؛
2. لها ﺳﻠﻄﺔ ﻣﺴئوﻟﺔ ﻋﻦ ﺳﻴﺮها وفقاً لتراتيبية محددة لهيكل قيادة لنقل وتلقي الأوامر، و؛
3. لها وﺳﻴﻠﺔ وآلية ضبط وإدارة فاعلة لإﺣﺘﺮام اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ الدولي، وإحترام القانون الدولي لحقوق الإنسان، و؛
4. أن يكون للجماعة المسلحة الأخرى زي ولبس وعلامة مميزه Uniform, clothing and distinctive sign, as a distinctive military sign.، و؛
5. إن كانت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ المحتكرة لسلطة الدولة، ﻗﺪ إﺿﻄﺮت إﻟﻰ نشر/ أو قامت بنشر ﻗﻮات مسلحة من تشكيلات الجيش والشرطة وأي قوة مسلحة رسمية أخرى تعمل تحت قيادة وأوامر الجيش، لتقوم القوات المسلحة الرسمية بإجراءات عمليات الحسم والسيطرة والردع ﺿﺪ الجماعة المسلحة المنشقة أو المتمردة على سلطة الدولة(متمردين، مليشيا كانت، أو غيرها)، و؛
6. إن كانت الحكومة المحتكرة لسلطة الدولة قد إﻋﺘﺮﻓﺖ بالجماعة المسلحة الفاعل غير الدولة، وإﻋﺘﺒرته إعترافاً بهم أنهم أﻃﺮاف ﻣﺤﺎرﺑﻴﻦ، و؛
7. إن كانت اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة قد إعترفت ﺑﺄن اﻟﻨـﺰاع المسلح الداخلي في إقليم الدولة، ﻳﺸﻜﻞ ﺗﻬﺪﻳﺪاً ﻟﻠﺴلم والأمن اﻟﺪوﻟﻴﻴﻦ.
8. أن تعمل الجماعة المسلحة داﺧﻞ إﻗﻠﻴﻢ ﻣﺤﺪد من إقليم الدولة وﻓﻘﺎً ﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ ﻣﻮﺣﺪة، و؛
9. أن الجماعة المسلحة للفاعل غير الدولة ﺗﻤﺎرس ﺳﻴﻄﺮة فعلية وحقيقية ﻋﻠﻰ جزء/ أجزاء من إﻗﻠﻴم الدولة الطرف في النزاع، و؛
10. أن الجماعة المسلحة الفاعل غير الدولة تتصرف كحكومة على الإقليم الواقع تحت سطرتها.
11. الوضع في الإعتبار ﻋﺪد اﻟﻤﻘﺎﺗﻠﻴﻦ اﻟﻤﺸﺎركين ﻓﻲ اﻟﻘﺘﺎل من جانب الجماعة المسلحة المنظمة للفاعل غير الدولة.
وبشأن إطلاق عبارة إصطلاح طرفي النزاع على الأطراف المتنازعة في النزاع المسلح الداخلي/ النزاع المسلح غير الدولي، وﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أن المادة(3) اﻟﻤﺸﺘﺮكة من إتفاقيات جنيفا الأربعة 1945م، وبما في ذلك اﻟﺒﺮوﺗﻮكول اﻟﺜﺎﻧﻲ 1977م، ﻳﺸﻴﺮان وﺑﻮﺿﻮح إﻟﻰ ﺗﻄﺒﻴﻖ أحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان في المنازعات المسلحة غير الدولية. ولذلك، ﻳﻨﺒﻐﻲ أﻻ ﻳﺆﺛﺮ إصطلاح طرفي النزاع ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﻘﺎنوني ﻟﻸﻃﺮاف المتنازعة، وذلك لإعتبارات المراعاة للوضع الإنساني والحاجة الإنسانية لفئات الأطراف المدنية المتأثرة والمتضررة من النزاع، ولمراعاة وضعية الأطراف الغير طرف في النزاع. إلا أن العديد من اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت تعزف عن قبول وترفض إعتبار وﺻﻒ ﻧـﺰاع ما ﺑﺄﻧﻪ ﻏﻴﺮ دوﻟﻲ، ﻟﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﻨﻄﻮي ﻋﻠﻴﻪ ذﻟﻚ ﻣﻦ إعتراف ﺿﻤﻨﻲ ﺑﺎﻷﻃﺮاف الأخرى الفاعل غير الدولة المسلحة اﻟﻤﺤﺎرﺑﺔ.
وإزاء ذلك بالجملة، الواقع العملي في التعامل والتواصل مع الفاعلين غير الدولة من الجماعات المسلحة المنشقة أو المتمردة أو الإرهابية، يثير ويفرض جدليات تردد حكومات الدول في الحوار مع فئة الفاعلين غير الدولة من الإرهابيين والجماعات المسلحة المنشقة أو المتمردة على الدولة وتحاربها، وسواء أكان الغرض من ذلك الحوار التوصل لإتفاق وقف إطلاق النار، أو حين يهدف الحوار لأي إتفاق آخر على كيفية إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من النزاع المسلح، أو الإتفاق على أطر قانونية من أجل توفير وترقية الحماية لفئات المدنيين المتأثرين من النزاع المسلح.
وبالرغم مما يشوب الحوار مع الجماعات المسلحة من تعقيدات أمنية وسياسية واجتماعية خطيرة للغاية أحياناً، لأنه غالباً لا تحظي بشعبية معقولة أو محترمة بين كافة فئات الجمهور من مواطني الدولة، وخاصة في حالات الحوار مع الجماعات والتنظيمات الإرهابية. لكن أوضحت التجارب العملية في بلدان وأقاليم عديدة من العالم، خاصة في السنوات الأخيرة، أن المشاركة البناءة في التفاعل والتعامل مع الجماعات المسلحة، يمكن أن تخلق ظروفًا مواتية للحل السلمي للنزاعات. فالعديد من التجارب كما في أيرلندا الشمالية أو أفغانستان أو العراق أو السودان القديم 1956م - 2011م (فصل جنوب السودان عن شماله) أو الفلبين أو كولومبيا وغيرها من الدول، يظهر الواقع العملي ضرورة أن يكون هناك افتراض صريح منذ البداية - بأنه من المقبول سياسياً وقانونياً - بل ومن المفيد بالفعل - إشراك جماعة مسلحة في الحوار من أجل التوصل لإنهاء النزاع المسلح العنيف.
وفي ذات الصدد، فإن أي فاعل غير الدولة تعمل كجماعات مسلحة نظامية، وتكون ذات سمعة دولية سيئة، وذات سجل جنائي دولي سيئ، متصلان بوقائع إنتهاكات وفظائع إجرامية منتظمة وممنهجة، وتشكل أفعالها وأعمالها جرائم بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي وقواعد القانون الدولي العرفي للقانون الدولي الإنساني المرتبطة بقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإنه بمقتضى القانون الدولي الانساني أو بمقتضى القانون الدولي الجنائي، يمكن أن تُوسم تلك الجماعة المسلحة من الفاعلين غير الدولة بأنها جماعات مسلحة منظمة، وكما بمقتضى التشريعات الداخلية للدول، والقانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن وقوائمه الخاصة بالإرهاب، يمكن وصم مثل تلك المجموعة المسلحة المنظمة بالجماعات الإرهابية. وبذلك، تنطبق هذه الحقيقة القانونية على الأفراد أعضاء هذه الجماعات من القيادات الرئاسيه والميدانيين والإستشاريين والمتعاونين والمحرضين والمساهمين والمشاركين، ويستمد وصف الفاعلين من غير الدولة، بأنها جماعة مسلحة منظمة، بحسبما حدده ورسمه المعيار الذي طوره القانون الدولي الانساني والقانون الدولي الجنائي، تأسيسيًا على عوامل كلية محددة، ونشير لها في الآتي:
1. السيطرة الإقليمية على جزء من إقليم الدولة، و؛
2. الهيكل القيادي، و؛
3. الاستراتيجية العسكرية.
وللتعامل والتواصل مع الفاعلين من غير الدولة بصفتهم مجموعة مسلحة منظمة، عملياً في حالات محددة، تمارس بعض الحكومات والجماعات والمنظمات غير الحكومية - كالتنظيمات المحلية والدولية - نفوذاً على جماعة مسلحة من خلال الحياد السياسي المتصور، أو التواصل أو بناء علاقات الثقة، ويساعد ذلك على فهم ديناميكيات المجموعة ودوافعها بشكل أفضل (وكمثال لذلك جماعة الفاعلين الميسرين والمسهلين في منبر جده، وإعلان جده مايو 2023م لأجل تعزيز ضمانات حماية المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين). والتواصل مع المجموعات المسلحة، يهدف إلى تعزيز إحترام قواعد القانون الدولي الانساني بواسطة المجموعات المسلحة، وذلك من خلال وسائل مباشرة، أو من خلال وسائل غير مباشرة، وذلك لترقية الإدراك لدى المجموعات المسلحة بموضوعات القانون الدولي الإنساني، والنشر والإقناع والدعم الفني لفهم وإدارك مرامي القانون الدولي الإنساني، وبناء القدرات للمجموعات المسلحة، والتفاوض والحوار والدعم لصناعة وبناء السلام. ولذلك، يهدف التواصل مع الجماعات المسلحة إلى إلزام وإجبار المجموعة المسلحة على واجب إحترام قواعد القانون الدولي الإنساني، ومن ثم، المادة الثالثة المشتركة من إتفاقيات جنيف الأربعة 1945م لا تؤثر على الوضع القانوني لأطراف النزاع، ولا تجعل أطراف النزاع - ومنهم بالطبع المجموعات المسلحة - يستفيدوا من نص المادة الثالثة المشتركة، من أجل تحقيق غايات تخرج عن إطار تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني. وإنما تحديداُ الغرض من نص المادة الثالثة المشتركة أنها جاءت من أجل حماية المدنيين العزل، ولحماية غير المنخرطين في النزاع المسلح.
ولذلك الإطلالة الإيجابية لمظهر التفاوض مع المجموعة المسلحة المنتظمة أو الإرهابية، تبدو من ثمرات التواصل الإيجابية، حينما تتعهد وتلتزم المجموعات المسلحة أو الإرهابية بتنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني من خلال الإتفاقيات التي تبرمها مع دولة الإقليم، وتتعهد المجموعة المسلحة حرفياً بجملة إلتزامات قانونية دولية، ومن بينها التنفيذ الصارم لقواعد القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بأن تلتزم المجموعة المسلحة أو الإرهابية بإنهاء العنف المسلح، وتحرير المعتقلين لديها، وعدم التعرض للأعيان المدنية الخاصة والعامة، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين، وعدم الإضرار بمصالح وحياة المدنيين. وكما تكمن أهمية التواصل مع المجموعات المسلحة أو الإرهابية ونجاحها بمقدار جهود الجهات التي لها قبول ورضاء من طرفي النزاع (كالفاعلين المسهلين والميسرين في منبر جده)، وتحديدًا في جعل المجموعات المسلحة أو الإرهابية، تجلس على طاولة التفاوض مع دولة الإقليم. وأن تعمل المنظمات غير الحكومية على بناء قدرات ومهارات المجموعات المسلحة أو الإرهابية بأن تعمل على إحترام القانون الدولي الإنساني وقواعد القانون الدولي العرفي للقانون الدولي الإنساني المرتبطة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.
ومن أبرز معوقات التواصل مع المجموعات المسلحة أو الإرهابية، إنعدام الرغبة لدي الدولة الطرف في النزاع الاقرار والتمسك بأن حالة العنف السارية، لا ترقي لأن تشكل نزاع مسلح، وذلك لتفادي حالة الإعتراف بالمجموعة المسلحة المنظمة، أو الإعتراف بوضعية المجموعة الإرهابية. فضلًا عن إنعدام الحافز للإنصياع الرغبوي لقواعد القانون الدولي الإنساني لدى المجموعة المسلحة أو الإرهابية، وإختلال التركيب التنظيمي للمجموعات المسلحة أو الإرهابية، وجهلهم بقواعد القانون الدولي الإنساني. ولذلك، لا يمكن المقاربة والمساواة بين الدولة التي تقوم بإعلام وتلقين قواتها النظامية المسلحة بقواعد القانون الدولي الإنساني، وبين أي من الجماعات المسلحة التي، إما، ينعدم لديها الإدراك بالقانون، أو يعوزها التلقين الكافي المسئول بالقانون.
وتخشي المنظمات الدولية والتنظيمات الدولية غير الحكومية من التعامل مع المجموعات المسلحة أثناء النزاعات غير الدولية، عندما توصم تشريعات وقرارات الدولة السيادية المجموعات المسلحة المنظمة بأنها مجموعة إرهابية أو جماعة إرهابية طبقاً لنظام قانونها الوطني الداخلي والإتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب وقوائم الإرهاب المعدة من الأمم المتحدة ومجلس الأمن. لأن إعتبار الدولة الطرف في النزاع بأن المجموعة المسلحة إرهابية، يؤدي لحقيقة تتولد في أذهان السكان في الجزء الذي تسيطر عليه المجموعات المسلحة، بأن هؤلاء المسلحين إرهابيين بالفعل. وأنه من جانب آخر، تخشي الدول أن يفضى ذلك التعامل مع المجموعات المسلحة، إلي واقع شرعنة وجود تلك المجموعة المسلحة، وإلى إضفاء ماهية قانونية ما على كيان هذه المجموعات المسلحة. ولذلك، يظل التوجس من وصم المجموعات المسلحة بالإرهاب، العقبة الرئيسية لتحفيز الدولة صاحبة السيادة الطرف في النزاع من الجلوس للتفاوض مع المجموعة المسلحة المنظمة.
وأيضاً بعض الدول صاحبة السيادة، ترى في عقد تفاوض وإتفاقيات هدنة مع الجماعات المسلحة، أنه يتطلب الإعتراف بشرعية سلطة الجماعات المسلحة المنظمة، الأمر الذي من شأنه إضفاء شرعية على إستخدام القوة المسلحة ضد الدولة ومواطينيها من جانب المجموعة المسلحة المنظمة أو الإرهابية. ونتيجة لذلك، الميسرين والمسهلين لعملية التفاوض، بلا شك سيصطدمون بمعضلة الموازنة بين تقليل المعاناة البشرية ومعاناة الضحايا المدنيين الناتجة من عمليات القتال الدائر والمستعر أواره من جانب المجموعات المسلحة أو الإرهابية. وبالتالي، الواقع يقرر شرعنة سلطة وإستخدام القوة المسلحة للمجموعة المسلحة أو الإرهابية.
وكما التشريعات الوطنية الداخلية للدول المحددة لكيفية إستخدام القوة المسلحة الرسمية بإسم الدولة، هي الأداة القانونية لتحديد الهيئات والأشخاص المرخص لهم دستورياً وتشريعياً باستخدام القوة المسلحة بإسم الدولة صاحبة السيادة، وكما هي الأداة القانونية الملائمة لمجابهة النزاعات المسلحة. وهذه الأدوات القانونية المحددة لإستخدام القوة المسلحة بإسم الدولة، تعني في ذات الوقت حظر إستخدام القوة المسلحة بواسطة المجموعات المسلحة المنظمة، ومن ثم - تأسيساً على التشريعات الوطنية الداخلية لمكافحة الإرهاب والصكوك والقرارات الدولية الصادرة من الأمم المتحدة – تنكر الدول إمتداد أو تطبيق القانون الدولي الانساني على المجموعات المسلحة المنظمة أو الإرهابية، ومن ثم لا تخضع المجموعات المسلحة المنظمة أو الإرهابية للمسئولية الجنائية والمدنية وفقاً للقانون الدولي الإنساني، ولكنها تخضع للمساءلة الجنائية والمدنية وفقاً للتشريعات الوطنية الداخلية للدول. مما يشكل عقبة كبيرة تحول دون تعاون وتواصل المنظمات والوكالات الدولية المختلفة (الميسرين والمسهلين للأطراف المتنازعة)، لأن الغرض والهدف من تواصل التنظيمات والكيانات الدولية، فقط لأجل حمايةً حقوق المدنيين أثناء النزاع المسلح، وللتأكد من إحترام قواعد القانون الدولي الإنساني. ولذلك تخشى المنظمات والوكالات الدولية وغير الحكومية الملاحقة الجنائية والمدنية للدول لها، بتهمة التحريض أو الدعم لهذه الجماعات الموسومة بالإرهاب من هذه الدول، ومن ثم، تحميلها عبء المساءلة المدنية والجنائية.
وحيث الأمر كذلك، تواصل المنظمات الدولية مع المجموعات المسلحة في إقليم الدولة صاحبة السيادة، يًعد تدخلاً في الشأن السيادي الداخلي لهذه الدولة، وأن من شأن التواصل نتيجته إضفاء الشرعية على المجموعات المسلحة المنظمة أو الإرهابية. ونظرا لوصم العديد من الدول ذات السيادة الجماعات المسلحة التي تحاربها بالإرهاب، تخشي العديد من المنظمات الدولية في أن تتواصل مع المجموعات المسلحة، لإعتبار الهدف والغرض من التواصل شرح وتوضيح أحكام القانون الدولي الإنساني للمجموعة المسلحة، والتأثير في المجموعة المسلحة من أجل إقناعها من الانصياع لأحكام القانون الدولي الإنساني. وتكمن خشية بعض وبوجه خاصة المنظمات غير الحكومية (كالصليب والهلال الأحمر الدوليين)، ومن ثم عزوفها في التواصل مع المجموعة المسلحة، خشية أن تتهمها دولة الإقليم صاحبة السيادة، بأنها تساعد المجموعات المسلحة الموصومة بالإرهاب في تلك الدولة. ولذلك، المنظمات الدولية والتنظيمات غير الحكومية تخشى من التواصل مع المجموعات المسلحة الموصومة بالإرهاب، ويبلغ الخشية مداه درجة العزوف عن تقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين. وللحديث بقيه، ونترك لها مساحة حديث مناسبة أخرى.
فريق شرطة(حقوقي)
د. الطيب عبدالجليل حسين محمود
(المحامي)
03/ 10 /2023م
التصنيف :
السياسية